أخبار مهمةتقارير

النواب الأشباح في تعز… كيف تحوّل ممثلو الشعب إلى سماسرة في ثياب برلمانية؟

نافذة عدن /خاص:

في قلب تعز التي أنهكتها الحرب والحصار، وغابت عنها أبسط مقومات الدولة، تعيش المحافظة مأساة من نوع آخر: غياب التمثيل النيابي الحقيقي، وتحول بعض أعضاء مجلس النواب عن محافظة تعز إلى ما يشبه “وكلاء شريعة” في فنادق الخارج، وسماسرة معاملات في دهاليز المؤسسات الحكومية، بينما تنزف المدينة بصمت منذ سنوات.

هذا التحقيق يكشف، بالأدلة والشهادات، كيف تم تفريغ السلطة التشريعية من مضمونها، وتحويلها إلى أداة شخصية لخدمة النفوذ والربح، بعيداً عن هموم السكان وتطلعاتهم.

من التشريع إلى الوساطة: انحراف الوظيفة الدستورية

منذ اندلاع الحرب في اليمن وتعثر انعقاد مجلس النواب، لم تُمارس السلطة التشريعية دورها الطبيعي في الرقابة والتشريع، إلا من خلال جلسات شكلية محدودة. ومع هذا الغياب المؤسسي، غرق نواب تعز في فراغ دستوري أخلاقي، دفع كثيرين منهم إلى البحث عن أدوار بديلة: بعضها خدمي، وبعضها انتهازي.

تحوّل إلى سماسرة

يقول أحد الموظفين في ديوان وزارة الخدمة المدنية في عدن – طلب عدم كشف هويته لأسباب أمنية – إن “أحد أعضاء مجلس النواب عن تعز” طلب تسهيل تمرير معاملة تعيين لأحد أقاربه، مقابل وعد بتسهيل امتيازات لاحقة، مضيفًا:

“لم يعد البعض يتحدث بلغة القانون أو الدستور، بل بلغة النفوذ والمقايضة. النائب الذي يُفترض أن يراقب، أصبح هو من يرتّب صفقات مخالفة ويستفيد منها”.

شهادات من الميدان

فيما يقول مواطن من مديرية صبر الموادم جنوب محافظة تعز

“حين انتخبناهم قبل سنوات، كنا نراهم رجال دولة. اليوم لا نجدهم إلا في مطاعم فنادق القاهرة، أو يتنقلون بين مكاتب الوزراء لتوقيع أوامر لأتباعهم” او سماسرة فنادق بعدن.

ويقول ناشط حقوقي – المدينة القديمة:

“تعز بلا تمثيل سياسي حقيقي. نحن رهائن لنواب يقبضون رواتبهم من الحكومة الشرعية ولا يقدمون شيئاً في المقابل. هم شركاء في تهميش المحافظة” و تجدهم فقط في مقايل رجال الاعمال.

منافع خاصة.. باسم الشعب

لا يقتصر نفوذ بعض النواب على الوساطة الإدارية، بل تعدى ذلك إلى الاستثمار في الأزمات.

إذ تشير تقارير محلية إلى حصول بعضهم على أراضٍ مملوكة للدولة، وامتيازات تجارية، وصفقات مشبوهة في استيراد الدواء والمشتقات النفطية، بالتواطؤ مع مسؤولين في الشرعية.

كما يشير موظف في الجمارك – فضل عدم ذكر اسمه – إلى أن “أسماء برلمانية من تعز” تورطت في تمرير شحنات مخالفة للقانون، بتسهيل من نافذين في ميناء عدن، مقابل مبالغ مالية كبيرة.

دور وهمي في فتح المنافذ.. واستثمار سياسي

يبرز أحد النواب من تعز (عبدالكريم شيبان مثالًا) بوصفه رئيس لجنة فتح المنافذ إلى تعز. غير أن هذه اللجنة – وفق ناشطين – لم تحقق أي نتائج ملموسة على الأرض، وباتت تُستخدم غطاءً لتحركات سياسية تخدم أطرافًا بعينها.

و ما زال ابناء تعز يتذكرون واقعة أثارت موجة من الجدل والاستنكار،حيث اتُهم عضو مجلس النواب عبدالكريم شيبان باقتحام مصانع الشيباني بمدينة تعز برفقة مسلحين، في محاولة للسيطرة عليها بالقوة، وفقًا لشهود عيان وتصريحات عمال في المنشأة.

العاملون في المصنع ناشدوا النائب شيبان سحب المسلحين فورًا، محذرين من أن استمرار وجودهم يُعطّل العملية الإنتاجية ويهدد سلامة العاملين، كما يعمّق مناخ التوتر في مدينة تعز المنهكة أصلًا بالنزاعات.

الواقعة،لها ابعاد قانونية واخلاقية بحسب خبراء قانونيين، تمثل انتهاكًا صريحًا لنصوص القانون اليمني، وتجاوزًا خطيرًا لسلطة القضاء المدني. كما أنها تُعد سلوكًا غير مقبول أخلاقيًا، يُقوّض الأعراف المجتمعية، ويمسّ بالسلم الأهلي في المحافظة.

سقطت الصورة الرسمية حيث يُعرف عبدالكريم شيبان بصفته نائبًا برلمانيًا ورئيسًا للجنة مفاوضات فتح المنافذ في تعز، ضمن الحكومة المعترف بها دوليًا، غير أن ما جرى يضعه في موضع المساءلة، ويثير تساؤلات عن استخدام النفوذ الرسمي في إدارة النزاعات الشخصية خارج الإطار القانوني.

و من تداعيات القضية انه يترقب الشارع فتح تحقيق من النيابة العامة أو الجهات الأمنية و الغريبه انها لم تُثار مساءلات داخل مجلس النواب بشأن سلوك العضو و اصبح هناك مخاوف من تأثير الحادث على صورة النائب كمفاوض في ملف المنافذ، ما قد يضعف الموقف الرسمي أمام المجتمع المحلي والدولي.

ويقول صحفي ميداني من جبهة كلابة – رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية:

“لم يُفتح أي منفذ فعلي. كل ما يحدث هو توظيف سياسي لهذه الورقة، من قبل شخصيات تحاول كسب دعم دولي أو الحصول على صلاحيات وهمية أمام الحكومة الشرعية”.

غياب المحاسبة.. وإرث من التهميش

تعاني تعز من غياب شبه كامل للمحاسبة. فلا النيابة العامة تُفعّل دورها، ولا السلطات المحلية تملك الشجاعة السياسية لمساءلة نائب أو حتى سؤاله.
بل إن البعض – وفق مصادر من المجلس المحلي – يستخدم حصانته البرلمانية كـ”درع حماية مطلق”، يسمح له بتجاوز القانون واستغلال النفوذ، دون مساءلة.

مطالب الشعبية بمحاسبة الفاسدين

في ظل هذا الواقع، تتصاعد المطالب الشعبية باتخاذ إجراءات عملية، أبرزها:

  1. تجميد عضوية النواب الذين لا يمارسون مهامهم.
  2. فتح باب التحقيق في ملفات الفساد والتربّح المرتبطة ببعضهم.
  3. الدفع نحو انتخابات محلية استثنائية في تعز، لاختيار ممثلين فاعلين للمواطنين.
  4. إنشاء منصات شعبية لمراقبة أداء النواب وتوثيق تجاوزاتهم.

خلاصة التحقيق

تعز اليوم تواجه ليس فقط نيران الحوثي وحصارهم، بل خذلان ممثليها الذين انتخبتهم ذات يوم للدفاع عنها. بين فندق في الخارج، ومكتب نائب مشغول بتعيين نسيبه، ضاعت مصالح ملايين اليمنيين في أكبر محافظات اليمن سكانًا.

فهل يُعاد الاعتبار للعمل النيابي في تعز؟
أم سيبقى المجلس التشريعي شاهد زور على انهيار الدولة؟

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار