
هل ستتدخل قيادة المجلس الرئاسي في حل أزمة إضراب المُعَلِّمٌين قبل إعلان إنهيار التعليم في عدن؟
نافذة عدن/كتب/ القاضي أنيس صالح جمعان
أَنَّ المُعَلِّمٌ أو المُدَرِّس هو عماد الدولة وحجر الأساسِ فلا تقوم إلا به، ولا تزدهر النفوس بالعلم إلا بفضله، فالمُعَلِّمٌ هو أحدُ الرِجالات الأساسية في تشكيل المجتمع به تزهو العقول وتتفتح الأذهان، ومن تحت يديه يُصنَع الرجال منهم الطبيب والمهندس والعالم ومنهم من يكمل الدرب عنه ويسير على خطاه ناهلاً من باب العلم الذي فُتح عليه بفضل هذا المُعَلِّمٌ الذي علَّمه، لهذا يتوجب على الدولة الأرتقاء بمهارات المُعَلِّمٌ وتطويرها، والأهتمام بوضعه المعيشى والمهني الذي سيكون أحد الأسباب الرئيسية لإعادة العملية التعليمية إلى مكانتها المرجوة !!
أَنَّ عدن ولحج وأبين وحضرموت وشبوة والمهرة قد عرفت التعليم مبكراً، حيث افتتحت في عدن أول مدرسة حكومية بإسم المدرسة العربية الحكومية في عام 1877م، وشهدت عدن أيضاً افتتاح مدرسة حكومية أخرى في مدينة التواهي عام 1880م، بينما تأسس المعهد التجاري العدني في عام 1927م، وتعتبر مدرسة النهضة أول مدرسة نظامية أهلية تأسست عام 1948م، تم تحويلها لاحقاً إلى كلية بلقيس للبنات ثم إلى ثانوية بلقيس الحكومية، أما في حاضرة السلطنة العبدلية اللحجية حوطة لحج فقد تأسست المدرسة المحسنية عام 1931م كصرح علمي لا يستهان به آنذاك وتخرج منها اعلام شاركت في صنع الثورة ومستقبل الجنوب، أما في محافظة أبين قد عرفت التعليم في عام 1952م، حيث تأسست مدرسة جعار الإبتدائية، وقد شهدت مدينة جعار قبل الاستقلال عام 1967م أنشاء أربع مدارس ابتدائية، منها ثلاث للبنين وواحدة للبنات، بالإضافة إلى مدرستين متوسطتين، أما في محافظة حضرموت تعتبر مدرسة جمعية الأخوة والمعاونة في تريم التي أنشأت في عام 1933م تُعد أول المدارس النظامية الحديثة في وادي حضرموت، والتي أُطلق عليها اسم (أم المدارس)، كما تأسست ثانوية سيئون في عام 1965م لتكون أول مدرسة ثانوية في وادي حضرموت، أما في محافظة شبوة قد أنشأت أول مدرسة حكومية عام 1963م في منطقة خورة التابعة لمديرية مرخة السلفى في شبوة، المسمى حالياً مدرسة الفقيد سالم باكر، أما في محافظة المهرة فقد أنشأت مدرسة الشعب في عام 1965م !!
يعيش المُعَلِّمٌين أو المُدَرِّسين حالياً في عدن والمحافظات الجنوبية بشكل خاص، واليمن بشكل عام، أوضاعاً معيشية مأساوية متردية وصعبة للغاية، وصلت إلى ما دون مستوى خط الفقر بل وتُصف أحياناً بأنها تعدت خط الفقر إلى خط القبر المسمى (الفقر المدقع)، حسب توصيف البنك الدولي والأمم المتحدة الأخير، حيث يُعرّف الفقر المدقع عالمياً بالعيش على أقل من 2.15 دولار أمريكي للفرد في اليوم (وفقاً لتعادل القوة الشرائية لعام 2017م – 2024م)، حيث يعاني المُعَلِّمٌين من عدم القدرة على توفير وجبات طعام الكافية لهم ولأسرهم، وعدم القدرة على سداد ديونهم أو توفير الاحتياجات والمتطلبات الأساسية للمعيشة.. مما يدفع الكثير منهم للبحث عن أعمال إضافية متدنية تساعدهم على الحياة، وخاصة أن متوسط دخل المُعَلِّمٌ في اليمن يتراوح بين 60 إلى 80 إلى 120 ألف ريال يمني، يفقد قيمته عند تدهور العملة المحلية، وهو مبلغ لا يكفي للعيش حياة كريمة تغطي الاحتياجات الأساسية اليومية من غذاء وعلاج وتعليم وإيجار وارتفاع الأسعار وغيرها من المتطلبات الحياة المعيشة !!
أَنَّ المتتبع لجوهر الأزمة التعليمية، نجد هناك صمت و تجاهل وفشل حكومي ومجتمعي، خاصة من قبل قيادة وزارة التربية والتعليم، والحكومات اليمنية المتعاقبة والحالية (ابتداء من حكومة د. احمد عبيد بن دغر، وحكومة د. معين عبدالملك، وحكومة د. أحمد عوض بن مبارك، و آخرها حكومة سالم بن بريك)، بالإهتمام بهذا الملف الحيوي الذي يدمر التعليم ويعجل من أنهياره، لتقديم المقترحات أوالحلول المرضية ترضي الجميع للخروج من هذه الأزمة، من أجل عودة المدارس الحكومية لعملها في استقبال الطلاب.. مما يعني أَنَّ هناك قصداً ممنهجاً لتدمير التعليم وإنهياره خاصة في محافظة عدن وكافة المحافظات المحررة الخاضعة للشرعية..
أَنَّ وضع المُعَلِّمٌين خاصة في عدن والمحافظات الجنوبية بحاجة إلى وقفة جادة من قبل قيادة المجلس الرئاسي.. وقيادة التحالف العربي.. بعد أن عجزت و فشلت الحكومات اليمنية الأربع في حل وحلحة هذا الملف المهم الذي يهدد مستقبل التعليم وابنائنا من الضياع، خاصة في مدينة عدن.. بعيداً عن الشعارات، والتصريحات، والتنظيرات البراقة، ونقترح أن يكون الحل توافقياً.. وفقاً للقاعدة الفقهية النبوية الشريفة (لا ضَررَ ولا ضِرارَ) حيث يتم التوافق على جدولة تحقيق المطالب وفقاً للإمكانيات المتاحة.. والمستقبلية بما يرضي الجميع، لإن وضع المُعَلِّمٌين حالياً متردي ومزري جداً، بعضهم لجأ إلى التسول، خاصة في ظل عدم وجود الحلول المرضية الذي تضمن حقوقهم ومستحقاتهم القانونية والدستورية، حيث يفتقر المُعَلِّمٌين للكثير من الحقوق منها إعادة النظر في هيكل الأجور الحالي بما يتناسب مع طبيعة عملهم، وتحريك ملف التسويات والدرجات القانونية، والعلاوات وبدلات طبيعة العمل وغلاء المعيشة السنوية، واعتماد التأمين الصحي للمُعَلِّمٌين، وتثبيت المُعَلِّمٌين المتعاقدين رسمياً، وإيقاف الاستقطاعات غير القانونية من رواتب المتقاعدين وغيرها، أضافة إلى انتظام صرف رواتبهم الضئيلة الغير منتظمة حيث تتعدى الثلاثة الأشهر كما هو حاصل الآن، مما انعكس على تردي الحالة التعليمية، وخاصة على ابناؤنا الطلاب الذي يهيمون الآن في الشوارع، الذي يهدد حياتهم العلمية في الأتجاه نحو الجريمة !!
خاتمة.. هناك مقولة كُتبت عند مدخل جامعة «كيب تاون» بجنوب أفريقيا بالقول أن إنهيار التعليم يعني إنهيار أمة.. حيث تشير المقولة أَنَّ تدمير أي أمة لا يحتاج إلى قنابل نووية أو صواريخ بعيدة المدى، ولكن يحتاج إلى تخفيض نوعية التعليم، وتشويه قيمة ومكانة المعلم، والسماح للطلبة بالغش، فيموت المريضُ على يد طبيب نجح بالغش، وتنهار المباني على يد مهندس نجح بالغش، ونخسر الأموال على يد محاسب نجح بالغش، ويضيع العدل على يد قاض نجح بالغش، ويتفشى الجهل في عقول الأبناء على يد معلم نجح بالغش، فانهيارُ التعليم نتيجته المؤكدة إنهيار الأمة.. فلنتعلم من خارج الحدود كيف يتم الأهتمام بالمُعَلِّمٌين والعاملين في مجال التعليم وعدم حرمانهم من أبسط حقوقهم القانونية المكفولة دستورياً، وكيف يتم التعامل وتكريم المُعَلِّمٌ أو المُدَرِّس أيضاً هو الذي يُدرس ويُعلم في المدرسة، أو الكلية، أو الجامعة، ويُمكن أعتباره أحد أهم الأعمدة الأساسية في قيام أي مجتمع، وذلك لأنّه يغرس المفاهيم المختلفة في نفوس طلابه، وقد أكّد الشاعر أحمد شوقي على أهمية المُعَلِّمٌ حيث قال:
قُمْ للمعلّمِ وَفِّهِ التبجيلا
كادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولاً
أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي
يَبني وينشئُ أَنفُساً وَعُقولا
القاضي أنيس صالح جمعان
2 أغسطس 2025م