أخبار مهمةتقارير

مقترح مثير للجدل حول حل أزمة الرواتب الحكومية

نافذة عدن/ خاص:

يشهد المشهد اليمني منذ أكثر من أسبوعين نقاشاً واسعاً بين مجلس القيادة الرئاسي، البنك المركزي اليمني، ورئاسة الحكومة، بشأن قضية الإيرادات الحكومية وآليات إدارتها. وتتركز الخلافات على مسألة تسرب جزء كبير من هذه الإيرادات إلى البنوك الخاصة وشبكات الصرافة، في ظل عجز الحكومة عن ضبطها وتوجيهها نحو القنوات الرسمية.

أمام هذا الوضع، طُرحت مقترحات متعددة من بينها مقترح مثير للجدل يقضي بـرفع قيمة الدولار الجمركي إلى ضعف قيمته الحالية، على أمل توفير موارد مالية تمكّن الحكومة من صرف مرتبات موظفي القطاع العام. وقد أثار هذا المقترح انقساماً داخل الأوساط الحكومية، بين مؤيدين يرونه حلاً عملياً مؤقتاً، ومعارضين يعتبرونه خياراً خطيراً على الوضع المعيشي.

الفريق المؤيد يبرر موقفه بأن الظروف المالية الضاغطة لم تترك خيارات كثيرة أمام الحكومة. ومع توقف العائدات النفطية وصعوبة تحصيل الموارد المحلية، فإن رفع الدولار الجمركي في المنافذ والموانئ قد يوفر إيرادات عاجلة تسهم في تلبية جزء من الالتزامات المالية، خصوصاً ما يتعلق بالمرتبات. ويرى هذا الفريق أن الإبقاء على الوضع الراهن سيؤدي إلى مزيد من التعثر وربما توقف شبه كامل للخدمات العامة.

في المقابل، يرفض فريق آخر داخل الحكومة هذه الخطوة بشدة، ويعتبر أن رفع قيمة الدولار الجمركي سيؤدي إلى زيادة مباشرة في أسعار السلع والمواد الغذائية، بحكم أن معظم المنتجات الأساسية يتم استيرادها من الخارج. ويؤكد هذا الفريق أن المواطنين هم من سيتحملون العبء الأكبر في ظل الظروف الاقتصادية الحالية التي تشهد ارتفاعاً في الأسعار وتراجعاً في القدرة الشرائية.

كما يشير الرافضون إلى أن تطبيق هذا الإجراء قد يُفهم على أنه إقرار رسمي بفشل الدولة في استعادة مواردها الأساسية، وأنه يعكس عجز المؤسسات عن ضبط الإيرادات المهدورة. ويشددون على ضرورة أن تركز الحكومة على استعادة سيطرتها المالية عبر القنوات القانونية، وتعزيز دور البنك المركزي في تحصيل العائدات، بدلاً من اللجوء إلى خيارات تحمل المواطنين أعباء إضافية.

النقاش الدائر بين الأطراف الثلاثة لا يقتصر على الجانب المالي فحسب، بل يعكس أيضاً تحديات مؤسسية أوسع. فغياب آليات رقابية فاعلة على الموارد، وتعدد الجهات المتحكمة في الإيرادات، أوجدا حالة من الانقسام داخل مؤسسات الدولة حول كيفية معالجة الأزمة.

ويرى مراقبون أن استمرار هذا الجدل دون التوصل إلى قرار عملي قد يزيد من اتساع الفجوة بين الدولة والمجتمع، خصوصاً مع الضغوط المعيشية اليومية التي يواجهها المواطنون. ويشير هؤلاء إلى أن أي قرار بزيادة الدولار الجمركي ستكون له آثار فورية على الأسعار، فيما قد يحقق إيرادات للحكومة على المدى القصير فقط.

في الوقت نفسه، يحذر اقتصاديون من أن مثل هذا الإجراء قد يقود إلى تداعيات اجتماعية واسعة إذا لم تُتخذ تدابير موازية لحماية الفئات الأكثر تضرراً. ويقترح البعض البحث عن حلول بديلة، مثل تعزيز الرقابة على المنافذ الجمركية والضريبية، وتفعيل الشفافية المالية، وإعادة هيكلة آليات التحصيل بما يضمن وصول العائدات إلى البنك المركزي.

وبينما يواصل مجلس القيادة والبنك المركزي ورئاسة الحكومة نقاشاتهم، يبقى المواطن اليمني في مقدمة المتأثرين بأي قرار يُتخذ. إذ أن رفع الدولار الجمركي، إن تم، سيعني ارتفاعاً مضاعفاً في أسعار معظم السلع، فيما سيعتبر التراجع عن هذا الخيار إشارة إلى البحث عن بدائل أكثر استدامة.

في ظل هذا المشهد، يبدو أن التحدي الأساسي يكمن في قدرة مؤسسات الدولة على استعادة مواردها وضبطها، باعتبار ذلك المدخل الحقيقي لتعزيز الاستقرار الاقتصادي. أما الاكتفاء بالحلول المؤقتة، سواء برفع الدولار الجمركي أو غيره من الإجراءات المماثلة، فقد يظل محدود الأثر ولا يعالج جذور المشكلة.

وبانتظار ما ستسفر عنه النقاشات الدائرة، يبقى الملف الاقتصادي مرهوناً بمدى قدرة الأطراف الرسمية على الوصول إلى توافق عملي يوازن بين احتياجات الحكومة وإمكانياتها، وبين الأوضاع المعيشية التي يعيشها ملايين المواطنين.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار