
معضلة جوازات الحوثيين ابتزاز أم أداة فساد؟
نافذة عدن/الصحفي نشوان نصر:
في قلب الأزمة اليمنية المتفاقمة، تبرز قضية جوازات السفر الصادرة من مناطق سيطرة جماعة الحوثي كملف شائك يؤرق آلاف المواطنين، ويكشف عن طبقات متعددة من التعقيد والفساد. فبينما تعترف دول العالم بهذه الوثائق بناءً على معايير دولية وتصريحات سابقة من الحكومة الشرعية نفسها يتحول السفر من مطاري عدن وسيئون إلى كابوس حقيقي لحامليها، تتخلله ممارسات ابتزاز واستغلال لا تليق بالكرامة الإنسانية.
المفارقة الصارخة هي أن جوازات السفر الصادرة من صنعاء وغيرها من المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين تُقبل دون أي إشكال في مطارات إقليمية ودولية رئيسية كالسعودية، الأردن، القاهرة، وحتى في الدول الأوروبية والأمريكية. يعود المواطنون اليمنيون من هذه الدول باستخدام نفس الجوازات التي ترفضها السلطات في مطاراتهم الداخلية. هذا التناقض الصارخ يطرح تساؤلات جدية حول الدوافع الحقيقية وراء هذا الرفض المحلي. هل يعقل أن يكون الجواز صالحًا للسفر حول العالم وغير صالح داخل اليمن؟
الحديث المتداول، والذي تدعمه شهادات كثيرة من مواطنين تعرضوا لذلك، يشير إلى أن المشكلة لا تتعلق بـ”شرعية” الجواز بحد ذاته، بل بخلق بيئة خصبة للفساد والابتزاز. فالمواطن الذي يملك هذا الجواز ويحاول السفر من مطار عدن أو سيئون يجد نفسه أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما أن يدفع مبالغ طائلة تحت مسميات غير رسمية للسماح له بالعبور، أو أن يُمنع من السفر ويخسر تذكرته ومواعيده الحيوية، وأحيانًا قد يُجبَر على استبدال الجواز بآخر جديد بأسعار باهظة وغير مقننة، في عملية تغذي جيوب فاسدين بدلًا من خدمة المواطنين.
هذا الابتزاز لا يقتصر على المبالغ المالية فحسب، بل يمتد ليشمل أحيانًا الإضرار بفرص علاج المرضى، وتعطيل مسيرة طلاب العلم، أو تأخير عمال يكافحون لكسب لقمة العيش، وحتى منع لم شمل عائلات مزقتها الحرب. تبرير منع السفر بهذه الجوازات بحجج أمنية أو إدارية يصبح واهيًا أمام الاعتراف الدولي بها وعودة حامليها دون عوائق.
لمواجهة هذه المعضلة الأخلاقية والإنسانية، يجب على السلطات المعنية أن تتحرك فورًا لوقف هذا النزيف. إليك بعض الحلول العملية المقترحة:
آلية استبدال شفافة وموحدة: يجب وضع آلية واضحة وسريعة وموثوقة لاستبدال هذه الجوازات لمن يرغب، بأسعار محددة ومناسبة ومعلنة للجميع، بعيدًا عن أي مجال للمساومة أو الابتزاز. يمكن أن يتم ذلك عبر مكاتب مخصصة وواضحة، مع جداول زمنية محددة.
مكافحة الفساد: على وزارة الداخلية ومصلحة الجوازات في المناطق الخاضعة للشرعية أن تتحمل مسؤوليتها الكاملة في التصدي للفاسدين ومحاسبتهم بشكل علني وصارم. يجب تشكيل لجان تحقيق مستقلة للبت في الشكاوى وتوقيع أقصى العقوبات على المتورطين. هذا من شأنه أن يعيد الثقة بين المواطن والمؤسسات الحكومية.
توضيح السياسات: يجب على الحكومة الشرعية أن تصدر بيانًا رسميًا واضحًا ومفصلاً حول وضع هذه الجوازات، وكيفية التعامل معها في المطارات والمنافذ، لضمان عدم وجود أي اجتهادات شخصية أو تجاوزات.
تسهيل الإجراءات: يمكن دراسة إمكانية تسهيل إجراءات السفر لحاملي هذه الجوازات بشكل مؤقت حتى يتم استبدالها، مع وضع ضوابط أمنية صارمة لا تضر بالمواطن.
إن معضلة جوازات الحوثيين ليست مجرد قضية إدارية، بل هي مرآة تعكس أزمة أخلاقية وإنسانية عميقة. ففي الوقت الذي يتطلع فيه اليمنيون إلى بصيص أمل للخروج من دوامة الصراع، تستمر بعض الممارسات في تعميق جراحهم، وتؤكد أن المواطن اليمني يبقى، للأسف، الضحية الأكبر على جانبي الصراع. على السلطات المعنية أن تتحرك فورًا لوقف هذا النزيف، وإعادة الاعتبار لحقوق المواطن، ووضع حد لممارسات الفائرة التي تزيد من أعباء شعب أنهكته الحرب.